محاور السلامة المرورية

السلامة المرورية بمحاورها الأساسية هي العامل الرئيسي في الحد من الحوادث المرورية
حوادث المرور مشكلة معقدة لتعدد العوامل المسببة لها وتعدد الأجهزة المختصة بمعالجتها هذه العوامل.

يشهد عالمنا المعاصر تقدماً علمياً وتكنولوجياً متنامياً، وقد رافق هذا التقدم تطور سريع في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية، وإذا كانت حركة النقل سواء في مجال نقل الركاب أو في مجال نقل البضائع والسلع الأخرى قد تطورت إلا أن السيارة تبقى من الوسائل الهامة والرئيسة في هذا المجال.

وإذا كانت ثورة المواصلات واتساع شبكات الطرق الحديثة والازدياد المتنامي في أعداد المركبات وتطور حركة المرور عوامل إيجابية في خدمة المجتمع أدت إلى زيادة هيمنة الإنسان على بيئته وتسخيرها لخدمته وبالتالي الإسهام في تقدم وسعادة ورفاه البشرية، إلا أن القصور في تنظيمها وإدارتها يشكلان جانباً سلبياً تعاني منه المجتمعات بشكل عام والمجتمعات في الدول النامية بشكل خاص.

إن المتطلع لحوادث المرور يجد أنها مشكلة تتسم بالخطورة والتعقيد، فهي مشكلة خطيرة بالنظر لما يترتب عليها من نتائج مفجعة وعواقب وخيمة سواء من حيث الخسائر في الأرواح والإصابات الجسيمة أو من حيث ما تلحقه من أضرار مادية تستنزف جانباً كبيراً من موارد الدول وهي مشكلة معقدة بالنظر لتعدد العوامل المسببة لها وتعدد الأجهزة المختصة بمعالجة هذه العوامل. فحوادث السير تعد من أهم التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة، لأنها تستهدف الإنسان الذي هو أغلى ما نملك إما بالموت أو بالعجز الدائم أو بالإصابة التي تعيقه عن العطاء لفترة من الزمن.

أن مشكلة حوادث المرور لقيت الاهتمام والعناية سواء على المستوى المحلي لكل دولة أو على المستوى العربي أو على المستوى العالمي وذلك للحد من وقوعها والتخفيف من ويلاتها وما ينجم عنها من آثار سلبية من النواحي الصحية والاجتماعية أو الاقتصادية.

إن مشكلة حوادث المرور والتي يلاحظ - ومع مزيد الأسف – أن أعدادها في ازدياد مستمر وأن نتائجها تتفاقم يوماً بعد يوم تتطلب دراسة وافية لجميع عناصر العملية المرورية من أجل معرفة أسبابها والوقوف على مدى تأثير كل سبب من هذه الأسباب في وقوعها، وحيث إن الدراسات قد دلت على أن 90 % من هذه الحوادث تتصل أسبابها بالسلوك البشري والتصرفات الخاطئة للإنسان مستخدم الطريق سواء أكان سائقاً أم راكباً أم ماشياً، فمن هنا نجد أن السلامة المرورية بمحاورها الأساسية تعد هي العامل الرئيسي في الحد من الحوادث المرورية ونتائجها وتعمل على تعزيز ورفع إدراك مستخدمي الطريق بأهمية الوقاية منها.

وتتمثل محاور السلامة المرورية في خمسة محاور أساسية يطلق عليها ( 5
Es) وهي:-
- الرقابة والتشريع
- هندسة المرور
- التوعية والتعليم
- الطب المروري
- التقييم

كما يضيف البعض محوراً آخر لا يقل أهمية عن باقي المحاور وهو محور البيئة والحفاظ على سلامتها من التلوث، على الرغم من اتخاذ العديد من الدول إجراءات لتخفيف انبعاثات السيارات حتى مع إزالة الرصاص لازالت تعاني التلوث الناجم عن قطاع النقل حيث يعتمد قطاع النقل على حرق الوقود بأنواعه ‘ فله انعكاسات سلبية على البيئة ونوعية الهواء، وذلك بسبب الغازات الضارة المنبعثة من عملية الحرق حيث إن المركبات بأنواعها تعتبر المصدر الأساسي لهذا التلوث بل أخطرها.

إن محور الرقابة والتشريع يوضح أهمية التشريعات المرورية من قوانين وأنظمة وتعليمات لأنها تستهدف وضع القواعد التي تنظم العملية المرورية بجميع عناصرها وأبعادها. من ترخيص وتسيير المركبات، وترخيص السائقين، وتعليم القيادة، وقواعد المرور وآدابه ومخالفات السير والعقوبات المترتبة عليها وذلك بشكل يكفل حماية الإنسان وماله من الأخطار التي قد تنجم عن خطئه أو أخطاء الآخرين أثناء السير على الطريق، وبالتالي فهي تعتبر عنصراً أساسياً للوقاية من حوادث الطرق وتحقيق السلامة المرورية.

وتكتسب العقوبة أهمية خاصة في هذا المجال باعتبارها إحدى الوسائل المهمة التي تحول دون خرق قوانين وأنظمة المرور وبالتالي تحقيق الأهداف المنشودة في الحد من وقوع الحوادث المرورية وتحقيق السلامة المرورية. فالتشريعات المرورية والعقوبات الصادرة بحق من يخرق هذه التشريعات من شأنها التقليل من وقوع المخالفات وبالتالي الحد من وقوع الحوادث المرورية.

إن التشريعات المرورية – من قوانين وأنظمة وتعليمات – هي التي تتضمن القواعد المنظمة للعملية المرورية بجميع عناصرها وأبعادها وفرض العقوبات على المخالفين لهذه القواعد، ولذلك فإننا نجد أن جميع التشريعات المرورية تقوم بوضع مجموعة من القواعد والمعايير الواجب مراعاتها والتقيد بها لضمان الاستخدام الآمن للمركبة أثناء سيرها على الطريق، حيث تضع مواصفات وشروطاً لابد من توافرها في المركبة حتى يسمح لها بالسير على الطريق كما تضع شروطاً واختبارات لابد من اجتيازها للتأكد من أهلية السائق لقيادة المركبة وترخيص السائقين. كما تضع القواعد التي تنظم عملية تعليم القيادة، وقواعد المرور وآدابه، وجرائم السير والعقوبات المترتبة عليها واجراءاتها وبشكل يمكن الجميع من استخدام حقهم بما لا يتعارض وحقوق الآخرين. وذلك بهدف حماية الإنسان وماله من الأخطار الناتجة عن خطئه أو عن أخطاء الآخرين. وبما يكفل الأمن وتحقيق السلامة للجميع.

نلاحظ أن جميع التشريعات المرورية وإدراكاً من المشرع لخطورة النتائج المترتبة على قيادة المركبات الآلية تمنع قيادة أية مركبة إلا لمن يحمل رخصة من سلطة الترخيص المختصة في كل دولة تخوله قيادة مثل هذا النوع من المركبات، أو يحصل على رخصة سوق دولية تخوله ذلك، وتؤكد هذه التشريعات على أن الرخصة شخصية وغير قابلة للتحويل إلى شخص آخر، بل وتنص على عدم جواز تسليم المركبة لأي شخص إلا إذا كان يحمل رخصة تخوله قيادتها.

أما فيما يتعلق بمحور هندسة الطرق، فإنه يجب الأخذ في الاعتبار تطبيقات التخطيط العمراني للحد من حوادث الطرق واستعراض الأدلة الوطنية للدراسات الهندسية المرورية (نقاط القوة والضعف) وتطبيقات التصميم الهندسي للطرق والتقاطعات للحد من الحوادث وتحسين البنية التحتية وأثرها في تعزيز السلامة المرورية وفحص وتقييم الطرق والتقاطعات الخطرة.

إن الطريق هو أحد العناصر الرئيسية في المفهوم الاستراتيجي للسلامة المرورية، وأن هندسة الطرق تعتبر أن نظام الطريق يتكون من السائقين والمشاة والمركبة والطريق، وهو يشمل التصميم الهندسي للطريق وملحقاته من حواجز للطرق وأرصفة ومعايير للمشاة ومنحنيات أفقية وعمودية وتصريف مياه وأعمد إضاءة والتقاطعات المحكومة بالإشارات الضوئية والدوارات والإشارات والجسور وغيرها من عناصر الطريق.

كلما اكتملت هذه العناصر من المقاييس المطلوبة فإن الحوادث المرورية تقل وتخف حدتها، ويكون السائق في وضع أكثر انسجاماً مع البيئة التي حوله، ولكي نصل إلى هذه المرحلة لابد من عمل دراسات مستفيضة عن كل نقطة من هذه النقاط ممثلة بمجال الرؤية وهو العامل الرئيسي في تصميم المنحنيات الأفقية والرأسية.

ومن المهم عدم إغفال وقوع الحادث المتكرر في نقاط جغرافية محددة، حيث يمكن أن يكون ذلك ناتجاً في الأساس عن ممارسات معينة في مرحلة التخطيط والتي تؤثر على معدلات السلامة المرورية، فعند عمل تقسيمات المخططات على أساس استخدام الأراضي لهذه المخططات وبالتالي تحديد المناطق يجب التركيز في هذه المرحلة على عناصر الحركة المرورية مثل المداخل والمخارج إلى هذه المناطق والتي تعتمد على دراسات معمقة حول النوعية المتوقعة لمستخدمي المناطق مثل السكنية أو التجارية أو غيرها لأن كل نوع من الاستخدام المستقبلي يمكن أن يجذب أو يولد حركة مرورية ذات خصائص معينة من حيث نوع المركبات والذي يحدد مجال الطريق المطلوب ومن حيث التوقيت كتحديد الذروة الصباحية أو المسائية والذي يحدد عدد المسارات في كل اتجاه ويتم اختبار هذه الفرضيات بتصميم نماذج تحاكي الحركة المرورية وغير ذلك من التقنيات لكي تحاكي ما سوف يحث مستقبلاً عند تعمير هذه المناطق.

إن بث وتعميق مفاهيم السلامة المرورية وتنمية الاتجاهات الصحيحة والإيجابية ونشر الإرشادات المختلفة عبر وسائل الإعلام هي أحد المتطلبات الرئيسية التي يرتكز عليها مجال المرور، حيث أصبح المجال واسعاً ومثمراً لهذه الجهود في مجال التعليم والتي تظهر جلياً في الأخذ بمفردات السلامة المرورية وإدراجها ضمن المناهج الدراسية لاستيعاب النظم المرورية والوقوف على السلوكيات الخاطئة ومخاطر الحوادث المروية من خلال غرس قيم الاحترام والالتزام بالأنظمة والتعاون مع الآخر في وقت مبكر وتعليمها في المدرسة، كما هو متبع في بعض الدول المتقدمة ليحقق فيما بعد جيلا متفهما للمشكلة المرورية ويتعامل معها بوعي وإدراك كبيرين، حيث يترسخ ذلك كله في سلوكيات ومكتسبات موروثة من ثقافة المدرسة وعلومها.

إن التربية والثقافة والإعلام تعد مصادر رئيسية لتشكيل الفكر والسلوك، فالتربية بمنهجيتها وملامستها للواقع وحرصها على غرس القيم التي توجه السلوك التوجيه السليم ومنها القيم المرورية التي تحرص المجتمعات على المحافظة عليها من خلال تفهم واحترام الأنظمة والقوانين المرورية، تنطلق من المضمون الفكري الذي يقدم الخبرات والتجارب في قالب تربوي وبأسلوب منهجي مترابط، أما الإعلام فإنه شريك أساسي لجميع الجهات المختلفة، وله دور وقائي توعوي لا يقوم به إلا بتعاونه مع الجهات المعنية، ولا يمكن أن يحل مكان أي جهة أخرى بل يقوم بدور مكمل لجميع الجهات، مشدداً على ضرورة التعاون مع وسائل الإعلام لإيصال رسالة التوعية بالسلامة المرورية لأفراد شرائح المجتمع والوصول للهدف المنشود من ذلك وهو الحفاظ على الأرواح والممتلكات.


أما بالنسبة لمحور الإسعاف والطب المروري، فإن هذا المحور من أهم محاور السلامة المرورية ولابد من الحرص على التطوير المستمر لخدمات الإسعاف والإنقاذ ؛ وذلك انطلاقاً من الإيمان الراسخ بأهمية الإنسان وتقديراً للقيمة الغالية لسلامة الفرد وحقه في الحياة؛ وتقديم العون والمساعدة وإنقاذ الأرواح والحدّ من مضاعفات الإصابات.

ولضمان الدور الحيوي للإسعاف والإنقاذ في مختلف الحوادث، يجب تأهيله بما يواكب التطور العالمي في مجال خدمات الإنقاذ والإسعاف، للاستجابة لتلبية كافة أنواع الحوادث الطارئة، من خلال توظيف واستخدام المعدات والأجهزة الحديثة وتدريب الكوادر البشرية للتعامل مع مختلف الحوادث، والحرص على تحقيق زمن استجابة وفق المعايير الدولية. وتحديد الاحتياجات سواء من القوة البشرية أو الآليات المطلوبة، إضافة إلى تحديد الاحتياجات من الكوادر البشرية المؤهلة.

ولا ننسى أهمية إجراء دراسة لجميع المناطق التطويرية والمشاريع وتحديد احتياجاتها من مراكز الطوارئ والآليات والكادر البشري، بالتنسيق مع الجهات المعنية بهدف زيادة عدد مراكز الإسعاف والإنقاذ، الأمر الذي يسهم وبشكل كبير في تقليل زمن الاستجابة للحوادث.